صدر مؤخرا كتاب "الصوت النسائي في الأدب الموريتاني المعاصر" كرافد ثقافي جديد يثري الساحة الثقافية الوطنية بمقروء يسلط الضوء علي جانب مهم من ثقافة البلد ظل لوقت طويل بعيدا من دائرة الضوء ،
وهو عبارة عن دراسة تحليلية نقدية، صدرت مؤخرا في نواكشوط (مارس 2014)عن مطبعة ووراقة دار السلامة من تأليف الكاتبة حواء بنت ميلود.
فضاء مكاني احتوى 208 صفحات من الحجم المتوسط توالت فقراته بطريقة انسيابية بدءا بتقديم عام بينت فيه الكاتبة أن المرأة العربية عموما تركت بصمات واضحة على صفحات الأدب العربي وإن كان النقاد والأدباء رغم ذلك لم يطرقوا مفهوم الأدب النسائي في العصر الجاهلي ولا حتى في العصور الموالية، بعد أن قدمت نماذج من الإنتاج الأدبي حيث كتبت الوصايا وصاغت الأمثال والحكم والقصص وقرضت الشعر في مختلف أغراضه، ذاكرة أن الخطاب الشعري للمرأة لا يقل قيمة أدبية ولا يختلف من حيث الصورة الشعرية التي يقدمها النمط الخطابي الشعري المألوف في العصر الجاهلي.
وعن خصوصية المجتمع الموريتاني المعروف بتعاطي الأدب ونشر العلم منذ قرون عديدة ذكر الكتاب أن المرأة الموريتانية تحملت مسؤولية العمل الثقافي، فحفظت القرآن وتعلمت علوم الفقه وعلوم الشريعة والسيرة والنحو وأسست المحاظر الكثيرة والمدارس القرآنية المشهورة، كما شاركت في النهضة الثقافية بكل أوجهها، هذا رغم عدم تفرغها لتحصيل العلم وتركيز اهتمامها حسب المألوف الاجتماعي على تربية الأطفال وتنظيم الشؤون الأسرية، مشيرة إلى أن الأديبة الموريتانية في العصر القديم قد ركزت في إنتاجها الأدبي على الرسائل والتوجيهات والوصايا والقصائد العمودية وإن كانت الأديبة الموريتانية المعاصرة استطاعت أن تلج كل الأجناس الأدبية حيث كتبت القصة القصيرة والرواية والمقالة الصحفية متعددة المواضيع وقرضت الشعر العمودي والحر والنثري
وفي نفس السياق أشادت بتسارع وتيرة إنتاجها الأدبي في العقود الأخيرة حين صدر لها العديد من المؤلفات في مختلف المجالات فطرحت إشكالية أدب المرأة والمطالبة فإعادة في شكله الإبداعي والفني في تسعينات القرن العشرين ما زاد من ارتفاع الأصوات المنادية باستحداث دراسات خاصة بأدبها تكشف عن ملامحه وخصوصيته.
وحسب رأي الكاتبة فإن الاختلاف حول إشكالية المصطلح ذاته والتسمية المناسبة مازالت حتى الآن عقبة في وجه الدراسات المهتمة بهذا المجال طارحة أسئلة وإشكالات للنقاش منها: هل نحن أمام أدب المرأة أو الأدب النسوي أو أدب الأنثى؟
وفي نفس السياق ذكرت أنه في العصر الحديث طرحت آراء رافضة لفصل أدب المرأة عن الأدب بصفة عامة مؤكدة أنها شخصيا لا تعترف بأن الإبداع يخضع لجنس صاحبه، قائلة: "لأن المنتج الأدبي يجب أن يخضع لنفس الشروط ويستجيب لنفس المطالب بغض النظر عن منتجه فإن تقسيم الأدب إلي رجالي ونسائي فيه نوع من الظلم للأدب في حد ذاته، فالأدب لا جنس له فهو إنتاج بشري وأحد أشكال التعبير الإنساني عن عواطفه وأفكار وهواجس الإنسان بأرقى الأساليب الكتابية ولذلك لا يمكن تصنيفه على أساس الجنس فالحالة النفسية ولحظات الفرح والمعاناة التي يعبر عنها الأدب واحدة واختلاف التعبير عنها يختف من شخص لآخر حتى في نفس الجنسي ألذكوري أو الأنثوي".
وفي معرض حديثها عن الطريق المقاربة التي تنطلق من مبدأ عدم الفصل بين أدب الرجل وأدب المرأة اختارت أن يكون عنوان كتابها "الصوت النسائي في الأدب النسائي المعاصر" مشفوعة بنماذج أدبية متنوعة مما أنتجته المرأة ضمن الدائرة الأدبية الموريتانية بشكل عام،مركزة على الفروق في شكل أو مضموم الأدب الإنتاجي للمرأة على أساس أن مخيلة أنثوية أنتجته فقط، مستعيضة التركيز الأولي على القيمة الأدبية للنص وآليات الأسلوب والنسق الخطابي.
وفي معرض حديثها عن التجربة الشعرية عند الأديبة الموريتانية بينت أنها تمكنت عبر مسيرتها الطويلة من تقديم نماذج شعرية لا تخلو من طرافة وإبداع، وساهمت إلى حد كبير في إثراء وتنوع المكتبات الوطنية.
ولئن كانت هذه المساهمة محدودة من حيث الكم إلا أنها من حيث القيمة الشعرية تستحق الإشادة والتنويه وقد قرضت الأديبة الموريتانية الشعر بأغراض عديدة وتناولت مختلف المواضيع دون أن تخرج من دائرة الالتزامات الاجتماعية والثقافية والدينية من حيث المحتوى كما ظلت تساير القصيدة العربية من حيث الشكل والمضمون متناولة بقصائدها المحيط الضيق والحياة البدوية البسيطة موجهة الرسائل التوسلية راثية الأقارب، كما بكت الأطلال.
وفي العصر الحديث دعت الشاعرة إلى التطور وغنت للوطن وتألمت لمعاناة الأمة العربية وناصرت القضايا الإنسانية العادلة.. مستخدمة مختلف الأساليب والمفاهيم والاحياءات الرمزية للتعبير عن مواقفها ورؤيتها الذاتية وانفعالاتها الشخصية لمتغيرات الواقع الذي يحيط بها.
وفي إطار المستجدات الفنية للنص قالت المؤلفة إن القصيدة المعاصرة استطاعت أن تشهد نهضة كبيرة بعد أن ارتبطت بالوعي المتنامي لدى النخبة بالأوضاع الاجتماعية والثقافية والسياسية في الساحة المحلية والإقليمية والدولية.
وهكذا استطاعت الموريتانية المعاصرة أن تجدد نصها الشعري عن طريق اختيار المواضيع الهادفة وتوظيف الكلمات المشحونة دلاليا واستخدام الألفاظ والمفاهيم التاريخية الموغلة في الرمزية.
كما ظهرت أنماط جديدة من القصائد النسائية متعددة الأغراض مثل الشعر السياسي والوطني وشعر المناسبات متخلصة من قيود القصيدة العمودية فأنتجت الشعر الحر بأروع صوره كما كتبت القصيدة النثرية.
وخلال هذه الدراسة تناولت الكاتبة ما يزيد على 20 نصا من الإنتاج الأدبي النسائي الشعري والسردي مستنطقة هذه النصوص ومفككة بنيتها اللفظية ومعرفة القارئ علي ما تحمله من دلالات ورموز وإيحاءات توصلت من خلالها إلى أن الأديبة الموريتانية استطاعت أن تعالج بإنتاجها الإشكالات المطروحة، ملامسة الواقع المادي والفكري ومقدمة للمتلقي رؤى لا تخلو من عمق ودقة في أكثر الأحيان.
وعلى هذا الأساس استطاعت الشاعرة أن توظف مختلف المفاهيم والألفاظ والرموز التي يتميز عادة الخاطب الأدبي المعاصر مشيرة إلى أن إنتاجها لا يمتاز بأية خصوصية تجعله يختلف عن أدب الرجل لا من حيث الشكل ولا المضمون مذكرة بأن نفس المواضيع المطروحة وظفت نفس المفاهيم وانطلقت من نفس المرجعيات دون تتقيد الأديبة الموريتانية بالهموم النسائية في مواضيعها بل تجاوزتها إلى أفق أوسع، كما عبرت الأديبة أيضا عن مواقفها السياسية والاجتماعية في مضمون خطاباتها الشعرية والسردية كما ظهر
جليا من خلال طرح الشاعرة باته بنت البراء لمشكلة البنية التحتية في قصتها "رحلة الميني بيس".
وحسب توزيع النصوص الأدبية للنساء الموريتانيات تناولت الكاتبة تسع نصوص عربية لست شاعرات وأربع نصوص بولارية لشاعرتين في محور التجربة الشعرية.
أما في المحور الثاني محور التجربة السردية فقد ركزت المؤلفة على عرض وتحليل ست قصص قصيرة بالإضافة إلى المقالة السردية عند الكاتبة الموريتانية.
قراءة وتلخيص: فاطمة السالمة بنت محمد المصطفى